الهوية الوطنية الأردنية: مشروع قومي وشهادة تاريخية الدكتور محمد أبو هديب

الهوية الوطنية الأردنية: مشروع قومي وشهادة تاريخية الدكتور محمد أبو هديب


“تُعد الهوية الوطنية الأردنية واحدة من أكثر الهويات العربية ثراءً وتعقيدًا، إذ تعود جذور إشكاليتها إلى تحولات تاريخية كبرى شهدها مطلع القرن العشرين. غير أن هذه الإشكالية ليست دليل انقسام أو ضعف، بل تمثل مصدر فخر للأردنيين، لأن دولتهم تأسست على مشروع قومي عربي جامع، لا على أسس قطرية ضيقة. فقد انبثقت إمارة شرق الأردن من رحم الثورة العربية الكبرى، حاملة لواء الوحدة والتحرر، الأمر الذي منح الهوية الوطنية الأردنية طابعًا يتجاوز حدود الجغرافيا المحلية إلى آفاق الانتماء القومي الواسع. وهكذا، أصبحت الهوية الأردنية نموذجًا لهوية وطنية صلبة قادرة على التفاعل مع محيطها العربي دون أن تفقد تميّزها الخاص.”
فالهوية الوطنية الأردنية تُعد من أكثر الهويات تميزًا في العالم العربي، نظراً للظروف التاريخية والسياسية التي أحاطت بتشكّل الدولة الأردنية الحديثة. بخلاف ما يُفترض عادةً في النقاشات حول “إشكاليات الهوية”، فإن الإشكالية الأردنية لا تنبع من أزمة ضعف أو انغلاق، بل من عمق المشروع القومي الذي تأسست عليه الدولة، والطموح الإقليمي الذي جعل الهوية الوطنية تتجاوز حدود الجغرافيا القُطرية الضيقة.
الجذور التاريخية للهوية الأردنية
عند نشأة إمارة شرق الأردن عام 1921، لم يكن المشروع السياسي الأردني مجرد تعبير عن تجمعات محلية أو طموحات مناطقية، بل كان امتدادًا للرؤية القومية العربية التي حمل لواءها الشريف الحسين بن علي وأبناؤه. وكما قال الشريف الحسين بن علي في رسالته إلى الأمة العربية عام 1916:
“لقد نهضنا نهضة عامة لانتزاع حقوقنا المغتصبة، ولنُعيد للعرب حريتهم المسلوبة ومجدهم التليد.”
من هنا، تأسست الدولة الأردنية كجزء من مشروع تحرري أكبر، عبر عن تطلعات العرب جميعًا للسيادة والنهضة. ولذلك، حمل الأردن منذ تأسيسه رسالة قومية، واستوعب قوى وشخصيات عربية من مختلف الأقطار، عززت طابعه الوطني المفتوح.
إشكالية الهوية الوطنية في الأردن تُعتبر “إشكالية مشرفة” لأنها انعكاس لثنائية فريدة: المحافظة على الكيان الوطني المستقل مع الإيمان العميق بالوحدة العربية. وقد عبّر الملك عبدالله الأول، مؤسس الدولة الأردنية، عن هذا التوازن بقوله: “نحن في الأردن نحمل رسالة الوحدة ونتمسك بالاستقلال، ولا نرى بينهما تناقضًا، بل نرى فيهما سر بقائنا ومصدر عزتنا.”
لقد شكلت هذه الإشكالية مصدر قوة أكثر منها مصدر ضعف؛ إذ ساهمت في ترسيخ مفهوم الهوية الوطنية الديناميكية، القادرة على التكيف مع تحولات الإقليم مع الاحتفاظ بثوابتها الوطنية.
الهوية الأردنية المعاصرة
اليوم، يُمثل الأردن نموذجًا لهوية وطنية ناضجة: هوية تعتز بتاريخها القومي، وتتمسك بسيادتها واستقلالها، وفي ذات الوقت تحافظ على انفتاحها العربي. وكما قال الملك الحسين بن طلال رحمه الله في أحد خطاباته: “إن أردننا العزيز لم يكن يومًا جزيرة معزولة عن قضايا أمته، بل كان دومًا في صميم النبض العربي.”
وقد برز هذا التوازن في مواقف الأردن السياسية، ودوره الدبلوماسي، وتعامله مع قضايا اللاجئين والهجرات القسرية، مما رسخ صورته كدولة تتجاوز حسابات المصلحة القُطرية الضيقة نحو التزام أوسع بالمسؤولية القومية والإنسانية.
إشكالية الهوية الوطنية في الأردن هي شهادة على نُبل مشروعه التأسيسي، وعلى قدرته الاستثنائية في تحويل تحديات الهوية إلى عناصر قوة ووحدة. فالأردنيون لم يبنوا دولتهم على أسس انغلاقية، بل على مبادئ الانفتاح القومي، مما جعل الأردن – ولا يزال – ركيزة أساسية في مشروع النهضة العربية المعاصرة.
وهذا ابدا لا يمنع من اعتزاز وفخر وانحياز الاردنيون الى هويتهم الاردنيه الضاربه في جذور التاريخ.

Post Comment